لإنسان للطبيعة : تظنين نفسك صاحبة فضل كبيرعلي، وقد تناسيت أني ومنذ آلاف السنين – أنا من عَمَرَك وحافظ على أديمك مخضرا.. وعلى غاباتك كثيفة مزدهرة.. وكان بإمكاني أن أقضي عليك نهائيا، بفضل ما أوتيت من مخترعات ومبتكرات لم تتوفرلأحد من قبلي، لولا خوفي من الله، واستجابة لأمره، وهوالذي استخلفني فيك، وجعلني مكرما.. وحملني في برك وبحرك!!
الطبيعة: ذلك صحيح، ولكنك قد غفلت شيئا آخر مهما جدا، لم تتذكره، أولم تشأ ذكره.. قبل أن تدخل هذه المزايدة السخيفة علي، آلا وهو: أنك مخلوق من ترابي..أي أني أنا الأصل وأنت الفرع..فبمَ تفاخرأو تزايد إذن؟!!
الإنسان: تقولين مخلوق من ترابك! ومن أخبرك بذلك ؟.
الطبيعة: ذلك يعلمه الكبيروالصغير، أتنكرأم تتغابى؟!!
الإنسان: صحيح قد خلقني الله من صلصال كالفخار..ولكن أي صلصال وأي فخارأوتراب تقصدين؟!! هل هو ترابك الدنيوي هذا ؟! أم تعنين ترابا آخر، لا يعلمه إلا الله!!
الطبيعة: ذلك أمرخطير.. ولا أستطيع فهمه، وهو بطبيعة الحال يتجاوزني.. ولا يمكن الجزم فيه، المهم عندي هو أنك أنت مني وأنا لست منك..
الإنسان: تعالي نبسط الأمورولا نعقدها ، أنا هو من غرس فيك كثيرا من الأشجار، ومهد فيك السهول وزرع الحقول وأنشأ جنان النخيل.. وأخرج من باطنك مياها دافقة.. وجعلها جارية منسابة على سطحك، ليشرب منها كل طائر وكل دابة..وذلك بفضل عمليات الحفرالتي قمت بها عبر تجاربي العديدة..لأقهرك وأطوعك لخدمتي ولأجعلك تمدينني عنوة بكل خيراتك..
الطبيعة: تتكلم عن المياه..؟ المياه كانت وما تزال جارية دفاقة منذ الأزل، في ينابيع وأنهار، منهمرة في شلالات ووديان.. بينما أنت لم تتعد فيما بذلته من جهد سوى أن قمت بتوجيهها وتنظيم عملية إخراجها من باطني..ولم تستفد منها فقط، بل عمدت إلى تبذير الجزء الأكبرمنها ولوثت المتبقي.. وجعلت السحب التي تحمل الودق تضطرب في رحلاتها.. وصارت لا تعرف اتجاها محددا لها.. فحرمت مناطق كثيرة من الغيث النافع.. وأغرقت أخرى في بحور من الفيضانات.. وذلك كله بسبب ما نفثته وما تزال تنفثه مصانعك ومعاملك من غازات سامة ضايقتني وأبخرة مضرة أهلكتني.. وها أنت تفاخر وتزايد علي، وكأنك بريء براءة الذئب من دم يوسف.
الإنسان: أوتعرفين سيدنا يوسف عليه السلام؟
الطبيعة: طبعا أعرفه..أليس هو من قام إخوته برميه في الجب بباطني، وقد احتفظت به معززا مكرما حتى أخرحه السيارة منكم.. ثم صاربعد ذلك القوي الأمين على خزائني؟
الإنسان: ذلك صحيح.. ولكن أين تريدينني أن أنشيء مصانعي وأقيم معاملي التي لولاها لبقيت البشرية جمعاء حبيسة تخلفها الاقتصادي، تتخبط في مآسي الفقروتعمه في ظلمات الجهل وتعاني من مصائب المرض ؟!
فلولا ذكائي الخارق وديناميكيتي في الاكتشافات والاختراعات ما تطورنا كل هذا التطور المذهل.. فقد أنشأنا عبرالعالم 40 ألف سد، أكبرها بدولة البرازيل التي تضم رئة العالم ..غابات الأمازون.
ومن جهة ثانية.. لا بد أن تعرفي أن هناك أناسا طيبين في كل مكان وفي كل زمان.. فأنا وكل سكان الجهة الجنوبية منك، ما نزال نحافظ على ثرواتك البيئية ولم نمسها بسوء، اللهم إلا حينما نقلع بعض الشجيرات الهرمة التي نستدفيء بحطبها، أو نستعين بها لتشييد منازلنا ..
الطبيعة: وماذا عن سكان الجهة الشمالية من العالم؟
الإنسان: في الجهة الشمالية من كوكبنا قد اكتسحوا مساحات واسعة منك، وشيدوا عليها مدنا عملاقة، وشقوا عليها طرقات اسفلتية استهلكت ملايين الهكتارات الخصبة، ناهيك عن تلك الغازات السامة المنبعثة من مصانعهم والتي ثقبت طبقة الأوزون وهددت القطب الشمالي بذوبان ثلوحه المتجمدة..وعن تلك الحرائق التي ما يزالون يتسببون في نشوبها واندلاعها، والتي أصبحت تحرق من غاباتك في كل دقيقة 28 هكتارا عبر العالم.
ثم آلا تعلمين أيضا أن 15 % من النباتات الأوروبية قد انقرضت منذ مئة سنة، مع أن أول من بدأ بناء السدود في العالم هم قدماء المصريين.. وأن20 % من كهرباء العالم تنتجها السدود التي أنشأناها؟ وأن 40% من كوارثك التي تسمى طبيعية قد تسببت فيها الفيضانات التي نجمت عن تلك الأسباب
الطبيعة: ها أنت تعترف أن الإنسان قد أجرم في حقي، على الرغم من كوني قد حملته على أديمي حيا واستضفته في باطني ميتا، وعوضا عن أن يقوم بإستصلاح أراضي المتصحرة.. وتعميرمساحاتي القاحلة.. راح يخربها ويفسد فيها، ولم يدرك بعد أنه إن استمرعلى هذا الوضع اللامعقول في تصرفاته فسوف أتحول إلى الأسوِء وأغير مهامي.. وساعتها تندلع شرارة ثوراتي الكامنة في براكيني وزلازلي وفيضاناتي.. وأنضم إلى بقية الكواكب الجرداء الجدباء السابحة في الكون الفسيح... لذلك فقد أضحى من واجبي القول - وبملء فوهات براكيني وهديرأنهاري وحفيف أشجاري ولمعان برقي ومخاوف رعدي- أنه قد أعذرمن أنذر..
انتظر الردووووووووووووووووووووووووود